الـــدَّرب

"...قد بـدأتُ الآنَ أفهم...!"


لسـت أدري أيَّها أكتُبُ ؛ فالأفكارُ زادت ... واسـتزادت

لست أدري أيَّها أكبِتُ ؛ فالأشواقُ عادت ... واسـتعادت

لست أدري أيَّها أتبـعُ ؛ فالركبانُ مـالت ... واسـتمالت

ودروبٌ كنتُ فيها ماشياً بالأمسِ كانت ......واسـتحالت

* * *

ليسَ هَمِّي أنني المحروم في الدنيا الحزين

فحيـاتي ملـؤها إنعـام ربي

والرضا والشـكرُ دَقَّاتٌ بِقَلبي

ليسَ هَمِّي أنني بين العباد المسـتكين

فحياتي غَرفةٌ من نهـرِ عِزَّةٍ

من يجرِّب طَعمَها يلقَهُ عِزَّهُ

ليسَ هَمِّي أنني أصبـو لطيفٍ لا أراه

حين أدنو منه يسمو عالياً فوق الحياة

ليسَ هَمِّي أنني أشـتاق لا أدري إلامَ

ليسَ هَمِّي أنني أجـرع كاساتِ الملام

ليسَ هَمِّي أنني أمشي فيُدميني الطريق

وَتُقَوّيني جِراحٌ ..... وتُنَقِّيني حُرُوق !

*****

ليسَ هَمِّي أنني أحرم وجهي البسماتِ

وأغني من عصير القلبِ هذي الكلماتِ !

إنما هَمِّيَ أن الشَّـوقَ يَحـدو لِلمَسِـير

بينـما قلبيَ حيـرانٌ : على أيٍّ يَسِـير

..لا ، ولا ذيَّاكَ هَمِّي...

إنـما هَمِّيَ أنِّـي أعرفُ الدَّربَ وأُحجِم

ليـس إحجاميَ مِنِّي وأَرَانِـي أَتَـقَــدَّم

غيـرَ أنَّ الـدَّربَ يا صَحبي يُجافيـنِي ويَظلِم

كُلَّـما أَخطُـو علـى أَوَّلِ أَعتـَابِـهِ يُظلـِم

فيعـودُ القـلبُ هيمـاناً شــريداً يتـألَّـم

ويُناَجي الدَّربَ: ما يُنبِيكَ عنِّي؟...لَسـتُ أفهم!

فيجيبُ الدربُ : ياإنسـانُ إنِّـي لَسـتُ أعلم!

خبروني يا رفـا...بل أنصتوا ...صوتٌ يُهَمهِم..

أنصـتوا عَلِّيَ أَسـمَعُ ....شَـخصٌ يَتَـكَلَّم...

....إنما يُنبِيـكَ يا إنسـانُ أن الدربَ مُظلِـم

فهو دربٌ كُلَّما اشـتاقَ إلى الإنسـانِ يُحـرَم

لَـم تطـأ أعتـابَه من قبـلُ أقـدامٌ لمُقـدِم

منـذ أعوامٍ ...وأجيالٍ ...كأنَّ الدربَ مُحـرِم

- ما يخيف الناس من دربي؟ ... أمكروهٌ مُحَرَّم؟

بل حبيـبٌ وكـريـمٌ غيرَ أنَّ النـاسَ تُحجِم

..فوق هذا الدرب أفعى تحتوي طفـلاً مُلَثَّـم

لن تـرى وجهـه حتي تَقتُلَ الأفعى وتُقـدِم

- ولماذا أقتُلُ الأفعى؟ ...وكيف الطِّفلُ لُثِّم؟

...ولماذا التفت الأفعـى على الطِّفـلِ المُلَثَّم؟

- لا تسلني الآن... خُـذ هذي وأَقدم!

- لا تـداوي الجُـرحَ "خذ هذي وأقدم"!

..لستُ ذاك الطائعَ المأمورَ فاشرح لي وأفهِم..

- " كل من قد جاء من قبلك لم يسأل ، وأَقدَم "

قَلَّ مِنهُم مَن رَعَي للدَّربِ حَقَّه.... قَلَّ مِنهُم

مَـن سَـعَي في الدَّربِ مُشـتاقاً لغايـة !..

- دعكَ منهم !

وأَجِبني أيُّها الصوتُ عن الطِّفلِ المُلَثَّم !

- مِن قديمِ الدَّهرِ كان الطِّفلُ طِفلاً         عبقرياً يملأُ الدَّربَ بِنُور

يجـذِبُ النُّـورُ إلى الدَّربِ قُلوبَ النَّاسِ تَهوِي نَحوَ ذيَّاكَ الصَّغير

تمـلأ الدنيـا بآيـاتِ الجمــالِ المُســـتَتِر

لا يَـرَى الآيـاتِ إلاَّ مَـن تَقَـوَّى وابتَصَــر

....صَــلَوَاتٌ وَأَنَاشِـــيدُ وفِـــكــر

ولِقَــاءاتٌ ...وأشـــواقٌ ..وذِكــــر

....نبــعُ حــبٍّ يـرتـوي منـه البَشَــر!

ودُرُوبُ النَّـاسِ شــتَّى        غيـرُ هـذا ألـفُ درب

...بَيـدَ أنَّ الدَّربَ ظِـلٌّ        أصـلُهُ في القـلبِ حُـبّ

كُـلَّ يـومٍ كـان يـأتي         وِردَ هـذا الدربِ شَـعب

عنـدهم مـاءٌ ، ولـكن         نبعُ هـذا الدربِ عـذب!

- واستمر الطفل ينمو ويشبّ...؟

- بل أتت من خلف خط الأفق أفعى         أعلنت في الناس :"عِنـدي أَلفُ دَرب

كُلُّ مَـن يأتي إلى دَربٍ ويسـعى         فِيـهِ يُؤتَى مِـن لَدُنِّـي ألفَ كَسـب

لِلنِّياقِ البِيـضِ عِندي ألفُ مرعى         للجِيـادِ السـودِ عنـدي كُـلُّ أَبّ

كُلُّ فهـدٍ جائـعٍ عِندي سَيُدعىَ         لطعـامٍ سـائغٍ ... بل كـلُّ ذئـب"

- واستجاب الناسُ؟

- قالوا : فلنجرِّب...

- ذاك صعب!

- ذاك دربٌ زَارَهُ البعضُ وفي الوُجدانِ رَيب

فإذا بالدربِ - كلِّ الدربِ - مكسُوٌّ بِعُشب

- وفَّتِ الأفعي؟

- ...وفاءً تحتَه زَيفٌ وخبّ

واستمرَّ الناسُ .. كُلٌّ مِن أراضيها يَعُبّ

- واستزادَ الناسُ...

- لكِن كان تحتَ العُشبِ تُرب

- وادلَهَمَّ الخَطبُ....

- ...قامت فوق ذاك الدَّربِ حَرب!

- ثم ماذا أيها الصَّوت عن الطِّفلِ الحبيبِ؟

- جاءت الأفعى فغطَّت وَجهَ ذي الطفل العَجيبِ

ثم لفَّت نَفسَـها مِن حَولِهِ وسـطَ النَّحيـبِ

- مَن بكى؟

- قـومٌ ضعـافٌ....لَم يَتِيهُـوا في الدُّرُوبِ

بَيـدَ أن القومَ لم يقـوَوا على قهرِ اللَّعوبِ

داهَنُوا الأَفعَى ؛ فعاشَ الحبُّ فِيهِم كالغريبِ

...واســتمرَّ الحـالُ...حســبي ..

...بَعدَ هذا أَنتَ تَعلَم......!

- ألِهـذا الطفلُ لُثِّم؟

... ألِهذا الناسُ تُحجِم؟

... ألِهذا كُلَّما أَخطو بِأَعتَابِهِ يُظلِم

فيعودُ القلبُ هيماناً شـريداً يتألم؟

....أيُّـها الصَّـوتُ ..أَجِبنِـي ...

- ****!

قَـد بَـدَأتُ الآنَ أَفهَـم!

-***!