أُمّاهُ .. يا حبيبـة !

د. علاء السيسي

See my work

أُمّاهُ .. يا حبيبـة !

فتاة صغيرة أعرفها جيداً ، وأعرف أمها ، وكانت صديقةً حميمةً لأمي ، ولم يكن للفتاة إلا أمُّها ، ولم يكن للأم غيرُها ، ثم مَرِضَت الأم ، ثم ماتت قبيل عيد الأم...وأمامَ بيتهم الجميل شجرةٌ أجمل ، ولو كنتُ حَجَرًا لما قاومتُ أن أكتُبَ هذه القصيدة...!


صباحُ يومِ عيد ..!

الكلُّ في حُبور

... وفي انتظارِ ذلك النشيد !

... عصفورةٌ صغيرةٌ تُرَتِّلُ النَّشيد

عصفورةٌ صغيرةٌ تُحَرِّكُ الهواء ....

.. تُحَرِّكُ النفوس ...

.. وتبعثُ الأمل !

.. ما أجملَ الحياة! ...

وَكلُّ نفس ترتوي بذلك النَّشيد !

.. ما أجملَ الحياة! ...

وَكلُّ أرجاءِ المكانِ تعكسُ النَّشيد!

ونسمةُ الربيعِ في اشتياق

.. تهتزُّ للنشيد !

*****

وهذه العصفورةُ الصغيرة

كأنها تبثُّني السلام !

..كأنها سعيدةٌ معي !

... كأنما تَوَدُّ لو يُطيعُها اللِّسان

فتلتقي معي على حديث !

لا تحزني – عزيزتي الصغيرة –

بل أنت هكذا لحنٌ مُجَسَّد !

وحُبُّنا – صغيرتي – يعيش

لو ضَلَّنا طريقُنا المُمَهَّد ..

فحُبُّنا – صغيرتي – كبير !

*****

حبيبتي .. انظري إلى الغصون ..

كم من جميلٍ ذلك الزَّهَر !

رِي بهجةَ الصباحِ في العيون !

.. وردِّدي نشيدَكِ الجميل !

لا تحرميني ذلك الأمل !

.. كوني سعيدةً معي : فإنني سعيدة !

.. واليوم يوم عيد !

*****

لا !

الآن أتركُك !

سأشتري هديةً لأُمِّي

وأُحضرُ الزُّهور ..

.. ستملأُ الزُّهورُ كُلَّ بيتِنا الكبير

بالحبِّ و الحياة ..

... ما أجملَ الحياة !

*****

صغيرَتي : سنحتفي معاً بأُمِّنا

صغيرتي وننشد النشيد

حبيبتي .. سأسمعُ النشيد

نشيدَكِ البهيج

لا !

لن تُسمِعيني لحنَكِ الحزين !

*****

إني أري العيونَ باسمات

وخَلفَ كلِّ بسمةٍ سحابةُ اصفرار

لم أدرِ كُنهَها !

وأسمعُ القلوبَ منشدات

أنشودةً تَهُزُّ كُلَّ قلبي الصَّغير !

وفي غِمارِ فرحي الكبير

تَهُزُّ جسمي الدقيقَ رِعدةٌ عجيبة ...

.. وأُمِّيَ الحبيبةُ ... الحبيبة ...

تَضُمُّني ... تَبُثُّني حرارةَ الحياة ..

... وكلمةٌ تَحارُ في الشِّفاه

...تَعيش في خياليَ الرَّحيب

... نباضةً كالدَّم...

" اليومُ عيد الأم " ...!

*****

... لو تعرفون أمي !

... عُيونُها كَبَسمَةِ الصَّباحِ للأمل !

وقلبُها كبير !

رقيقةٌ .. كزهرةٍ يُميلُها النَّسيم !

بشوشةٌ .. ضحوكةٌ... لا تعرف الملل !

.. وحُبُّها لا يعرفُ الفُتور !

تُحِبُّني ... نعم ، تُحِبُّ كُلَّ ما أُحِبُّ ... كُلَّ شئٍ في الحياة !

تُحِبُّ كُلَّ حَيّ !

وروحُها نَقِيَّةٌ جميلة ...

.. لو تعرفون أمي !

حبيبةٌ .. مُحِبَّةٌ ... حبيبةٌ... حبيبة !

..................

وإنها مريضة !

... سَمِعتُهُم يُرَدِّدونَ أَنَّها مريضة ...!

وأنَّما عِلاجُها عَسير ...!

حبيبتي مريضة ؟

... إني أراها ملءَ كُلِّ روحي ...

... وكُلُّها جمال ...

... وكُلُّها حنان ...!

لا ! ... أن مهجتي ليست مريضة ...

... لكنها رقيقة !

*****

...لهفي على ابتسامةِ الصباح !

... باتت أَرَقَّ من أن تبتسم !

... وقُبلَةٌ يَضُمُّها جَبيني ...

... كأنَّما تقولُ لي : نَعَم !

قد عُدتُ لا أُحِسُّ بِالأَلَم !

ولستُ بالمريضة !

فإنما المريضُ من يُحِسُّ بالنَّدَم

... ويَعشقُ الألم !

وإنما المريض من يظن أنُّهُ يعيشُ

بينما وجودُهُ عَدَم !

ولستُ بالمريضة !

وليس عندليبُكِ الصَّغيرُ بِالمَريض ...

فإنَّهُ لا يعشق الألم !

*****

... ونظرةٌ تحيطني بها ...

...بَدَت كَمَن يُحَذِّرُ الصِّغارَ مِن مَخاطِرِ الطَّريق !

أُمَّاهُ ... إنِّي لم أَعُد صغيرة !

" حبيبتي ... ولستِ بالصغيرة !

... ما دُمت تَملكينَ كُلُّ حُبِّي ...

... وتنظرين للرفاق في الطريق نظرةَ المُحِبِّ

... تشاركينهم آمالَهم ...

... تُخَفِّفين مِن آلامِهم

تُحَقِّقين حِكمةَ الإله ...

... فأنتِ يا صغيرتي – كبيرة ! "

*****

...أُقَبِّلُ الطَّريق !

... وفي ضلوعي يُسرِعُ الوَجيب !

... وأسمعُ النشيد ...

... يُعيشُ فِيَّ صَحوةَ الأّمَل !

..... وبسمةٌ بريئةٌ حبيبة ...

أري سناها فوقَ كُلِّ شئ

... عُصفورتي الصغيرةُ استجابت

... وغَنُّتِ النشيد !

... وُرَيقاتُ الشُّجَيرةِ الرَّقيقة

تَهتَزُّ فوقَ أمواجِ النَّغَم !

... وتحتَ شمسِ يومِنا الجديد ...

... أري وُجوهَهُم ...

... وبسمةُ الوفاءِ فوقَها ...

... تقاومُ الألم ...

... وتصنعُ الحياةَ في قلوبِهِم ... نَعَم !

... إنَّ الوُجودَ كُلَّهُ مَعِي ...

... يحبُّها مَعِي...

... ويَحتَفي بِعيدِها مَعِي!

*****

أُمّاهُ ... يا حبيبة ...

لو تعلمينَ ما أُعِدُّ لَك !

.. تُري ماذا يكونُ وَقعُ ذي المفاجأة ؟

.. تُري ماذا عساها أن تقولَ يا زهور ؟

... لا شكَّ أن فكرتي جميلة !

... وجودكم هنا معي جميل!

... جميلةٌ يا زهرةَ البنفسج !

.. تُزَيِّنينَ أنتِ شَعرَ أُمِّيَ الُمجَعَّدَ الجميل ...

... بِلونِكِ الذي يُحاكي لونَ زِيِّها الذي تُحِبُّه !

.. وأنتِ يا زنابقَ الغدير ..

... تُتَوِّجينَ كُلَّ قِطعَةٍ في بيتِ أُمِّيَ الكبير ..

... بِلونِكِ الذي يُحاكي لونَ قلبِها الذي أُحِبُّه !

.. وأنتُموا يا معشرَ الزُّهور

... ستملأون الدارَ بالعَبير ...

... ستعكِسون بهجةَ الربيع !

... ويُسرِعُ الوجيب...

ما أروعَ احتفالَنا بها !

...ستحضُرون ليلةً سعيدة !

... تَرونَها معي ...

.... ستعذُرونَني أيا زهور ..

.. أن كان حبُّها يَعُمُّ قَلبِيَ الصغير ... !

.. سيحضُرُ الرِّفاقُ حَفلَنا ...

...صديقتي وفاء ...

... وجارتي فلانة ...

... وخالتي فلانة ...

آه ... ! لو أن طفلها الصغير يحضر احتفالَنا الكبير ..

;;;;... يَزينُهُ بالصخبِ والضَّجيج ... !

... يَهُزُّني الوَجيب ...

... ووالدي الحبيب !

... كم كنتُ أرجو أن يكون في احتفالِنا ... !

... لكنَّهُ قد فاتنا وراح ..!

...أو فاتنا وضاع !

.. لم أدرِ أين ضاع !

*****

... وأسمعُ الوجيب ..!

...يَهُزُّني ؛ فأنهَبُ الطريق !

كأنما الطريقُ ناهِبِي !

... ألمَ يُضِع دقائقاً حبيبةً مِن يومِنا الحبيب

... أعيشُها إلى جِوارِ حُبِّيَ الكبير ؟!

...وينتهي الطريقُ .... يَنعَدِم !

...بيني وبينَ دارِنا خُطي...

... وتَثقُلُ الخُطا مِنَ التَّعَب ...

... وأَلمَحُ العُيونَ كُلَّها

... تُحيطُني بِنَظرَةٍ عَجَب !

... وتَعثُرُ الخُطَي وتضطرب !

... وتَكبُرُ العُيونُ.. تَقتَرِب ..

... أُحِسُّ أنَّ نَبعَها نَضِب !

...ماذا دهاهُمو أيا زُهور !

...وبَينَهُم تدورُ هَمهَمَات ...

... ونائِحٌ هُناكَ يَنتَحِب ....

.... ماذا جَري هُناك يا زهور ؟

*****

.... صديقتي ... وجارتي .... وخالتي

وجدتُهُم جميعَهم هناك ....

حتي ابن خالتي الصغيرُ خالد

.. وجدتُهُ هناك ...

بغير ضَجَّةٍ ولا صَخَب !

*****

وخالتي تَضُمُّني إليها ...

أَحسَستُ أنُّ صَدرَها جَليد !

.... لم أدرِ حينذاكَ ما السبب !

... ماذا جري هنا ... أيا زهور ؟

*****

.. لم تنطقِ الزهور !

... وأسمعُ النشيد ...

...عُصفورَتي تَبُثُّني نَشيدَها الحزين ..

أنغامُهُ تُشابِهُ الأنين ..

لكنَّها رَقراقةٌ جميلة ...

تنسابُ كالدُّموع ...

على وُرَيقَةٍ على الشُّجَيرَة ....

فتسجدُ الوُرَيقَةُ الصَّغيرة !

*****

.. وخلفَ عندليبيَ الصَّغير...

... أري عيونَ أُمِّيَ الوَديعَة ...

...وفَوقَها ابتسامَةُ الوداع ....

*****

... وفي السماء تظهر انبلاجة

ضياؤها يَبينُ رَغمَ الشَّمس ...

لكنَّهُ لا يعرفُ التَّوَهُّج ...

ونحوَ ذاك النُّورِ في السماء

..وفوق أنغامِ النشيدِ العذبةِ الرَّقيقة

.. تنسابُ روحُها إلى هُناك ..

..لتبدأَ الحياة..

.. وتترُكَ الذين مثلنا مع الدَّنايا ...

.... في هذهِ الدَّنِيَّةِ القريبة .....

*****

.. أمي : ..... أتسـمعينني ؟

.. أمي : ..... أتتـركينني ! ؟

... أماه ! .... يا حبيبتي...!

......... وهذه الزهـور ؟